أسامة عجاج يكتب: بعد الوصول إلى «حافة الهاوية» المنطقة في طريقها للتهدئة.. وتراجع احتمالات الحرب الإقليمية

الكاتب الصحفي أسامة عجاج
الكاتب الصحفي أسامة عجاج

(طبول الحرب تقرع أحيانا كثيرة لمنع اندلاعها وليس العكس) وهذا هو الحال في المنطقة ونحن هنا لا نسبح عكس التيار بل نحاول تقديم قراءة متأنية للواقع الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية وتداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والتي خرجت من إطارها الثنائي بين إسرائيل وجماعات المقاومة بل تعددت ساحاته ليصل إلي الضفة ولبنان وسوريا والعراق ويهدد بمواجهة يخشاها الجميع من تحولها إلي حرب إقليمية إذا دخلت إيران على الخط  وعلى عكس كل ماجري فإن الهجوم على قاعدة على الحدود بين الأردن وسوريا بمسيرات من المقاومة الإسلامية في العراق التي أعلنت مسئوليتها عن الهجوم وأوقع ضحايا أمريكيين بمقتل ثلاثة وإصابة العشرات مثل وصول الأمور إلى حافة الهاوية التي تنذر بعواقب وخيمة علي جميع الأطراف فعلي الرغم من أن الجماعات المسلحة قامت بأكثر من ١٠٠ هجوم على القواعد العسكرية الأمريكية خلال الأشهر الماضية  ولكنها المرة الأولي التي يقع فيها ضحايا  وهو أمر بالغ الحساسية لدي المواطن الأمريكي والإدارة فما بالك إذا جاءت الضربة في عام انتخابي بامتياز يسعي فيه الرئيس بايدن إلى إعادة انتخابه من جديد وكان  من الضروري على الجميع أن يعيد حساباته من جديد خوفا من أي خطوات أخري غير محسوبة بدقة تساهم في إفلات الأمور وأن يتراجع الكل  إلى الخلف قليلا     
                               

اطراف النزاع الرئيسية 

ودعونا نشير إلى حقيقة مهمة أن أمر الحرب الإقليمية مرتبط بجهات أربعة رئيسية وأخري فرعية أو ليست فاعلة بصورة كبيرة وهم تحديدا أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية ومواقف هذا المربع بأطرافه شهدت عودة كبيرة إلى الخلف والأمر يحتاج إلى مزيد من التفاصيل وهي كالتالي :   

أولا : إيران وحزب الله وقد كشف تقرير نشر منذ أيام في نيويورك تايمز عن وقائع اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي والذي يضم الرئيس ووزير الخارجية وقادة القوات المسلحة واثنين من مساعدي القائد الأعلي للبلاد منتصف الأسبوع الماضي وتم نقل نتائجه إلى القائد الأعلي آية الله خامئني والذي أمر بشكل واضح بتجنب حرب مباشرة مع أمريكا وإيجاد مسافة بين إيران والجماعات التي تورطت في قتل الأمريكيين وبعدها بدأت إيران في تحرك دبلوماسي نشط ظهر بنفي أي علاقة لها بضرب القاعدة الأمريكية علي الحدود الأردنية السورية وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني ناصر كنعاني ان هذه الاتهامات غرضها سياسي وتهدف إلى قلب الحقائق في المنطقة وذلك ردا على بيان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ودعوته إلى وقف التصعيد.

وقالت الخارجية إنه اتهام باطل ولا أساس له من الصحة وهي مؤامرة لمن في مصلحتهم جر أمريكا إلى معركة بالمنطقة وعلى نفس المسار توعدت طهران بالرد الحاسم والفوري علي أي هجوم يستهدفها علي خلفية تهديدات الرئيس الأمريكي بايدن باتخاذ قرار ردا علي الهجوم علي القاعدة الأمريكية  وقال قائد الحرس الثورى الإيراني (نسمع تهديدات أمريكية ونقول لهم إنكم اختبرتمونا من قبل ويعرف بعضنا البعض الآن ولن نترك أي تهديد من دون رد ، وقال (نحن لا نسعي إلي الحرب ولكن سندافع عن أنفسنا ولا نخاف من الحرب).

كما أن إيران وضعت جميع قواتها في حالة تأهب قصوي  مع تنشيط أنظمة الدفاع الجوي علي طول الحدود مع العراق وكشفت مصادر المعارضة السورية عن أن الحرس الثوري الإيراني وجه الفصائل الموالية له في سوريا بإيقاف أي هجمات لها علي القواعد العسكرية الأمريكية وسحبت مستشاري الحرس الثوري من هناك مع قادة كبار وعشرات الضباط من الرتب المتوسطة.                         

 تحركات موازية 

وعلي صعيد حزب الله والمواجهات مع الجيش الإسرائيلي والمستمرة منذ الثامن من أكتوبر الماضي فقد ظلت في إطار قواعد الاشتباك المعروفة بين الجانبين سوي مرة واحدة باستهداف صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي تم في مبني للحركة في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله وظلت الأمور تراوح مكانها رغم وجود تقارير حول الإعداد لاجتياح إسرائيلي للبنان بعمق سبعة كيلو الي عشرة كيلو  وقد استعدت إسرائيل لذلك بحشد ثلاث فرق ٣١٩ والفرقة ٩١ والفرقة ٣٦ والتي سبق سحبها من قطاع غزة معززة بعدة ألوية ووحدات خاصة ووحدات احتياط بحيث فاق عدد الحشود ١٠٠ ألف جندي وتستهدف إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية عن طريق قصف جوي مكثف قد يستمر أسبوعين بهدف إخلاء منطقة الشريط الحدودي من السكان وقطع الطرق بين بلدات وقري الجنوب وبعدها تبدأ عملية التوغل باتجاه مدينة صور وبنت جبيل وكفر شوبا وتشير المعلومات إلى أن رئيس الأركان هارتسي هاليفي سلم خطة الهجوم إلى وزير الدفاع جالانت والذي بدوره عرضها علي مجلس الحرب المصغر وتمت الموافقة عليه في انتظار تحديد ساعة الصفر.  

هناك اعتقاد واسع لدي المؤسسة العسكرية بأن الهجوم المزعم علي لبنان ليس نزهة فهي مكلفة والرد اللبناني سيكون قاسيا مع انشغال الجيش في جبهة قطاع غزة وصعوبة إنجاز صفقة الأسري وأنها لن تحصد سوي هزيمة جديدة مثل سابقة تعرضت لها إسرائيل في لبنان ومن الأمور الملفتة في هذا الشأن بدء قائد القوات الدولية في جنوب لبنان اليونفيل الجنرال اورلدر لازارو  جولة علي المسئولين في لبنان من أجل تبادل وجهات النظر والتي من شأنها وقف العمليات العسكرية في الجنوب.  

وكان لمواقف الطرفين الأساسيين إيران وحزب الله تبعاته في الساحتين العراقية والسورية وشهدت تحركات الجماعات المسلحة المدعومة من إيران تراجعا ملحوظا أبرز مظاهره حزب الله في العراق الذي  أعلن تعليق العمليات العسكرية والأمنية ضد القوات الأمريكية وقال بيان له (سنبقي ندافع عن أهلنا في غزة بطرق أخري) وأضاف (نوصي مجاهدي كتائب حزب الله بالدفاع السلبي مؤقتا إن حصل أي عمل أمريكي عدائي تجاههم) وقد تم هذا الموقف بالتنسيق مع الحكومة ورفع الحرج دون أن يعني هذا توقف كل الجماعات المسلحة فالمقاومة الإسلامية في العراق مكونة من حركة النخباء وكتائب حزب الله العراق وكتائب سيد الشهداء وميليشيات أنصار الله الأوفياء واثنان منهما أعلن عدم الالتزام ومنها فيلق الوعد الصادق الذي قال في بيان له ( نقدر موقف بعض الفصائل التي علقت عملياتها العسكرية إلا أننا نعلن استمرارنا بالعمليات) وكذلك حركة النخباء  التي أعلنت هي الأخري عدم التزامها بالتهدئة ويبدو أن التوترات التي تشهدها المنطقة ساهمت في  بدء التفاوض حول إمكانية الانسحاب الأمريكي من العراق ولو جزئيا بعد رسالة الحكومة العراقية بهذا الخصوص وعقد اجتماع ثنائي لهذا الغرض في بغداد وواشنطن وفي حقيقة الأمر إن العراق غير مستعد اقتصاديا أو عسكريًا للانسحاب الأمريكي الفوري حتي إيران لاترغب في فك الارتباط بين واشنطن وبغداد لأنه قد يؤثر علي التدفقات المالية من الدولارات إلي العراق وهو مايضر بالاقتصاد الإيراني أما في سوريا فقد كشفت مصادر في واشنطن عن أن الإدارة تدرس إمكانية سحب القوات الأمريكية في سوريا بشكل كامل وأنها لم تعد مشغولة بمهمتها هناك وتعدها غير ضرورية ولكنها عادت نفت ذلك                                

خطوة إلى الوراء

ثانيا: ويستدعي الأمر رصد موقف الجهة الأخري والتي تضم كلا من واشنطن وتل أبيب ورغم وجود خلافات بينهما يجمعهما معا الحرص الشديد على عدم وصول الأمور إلى نقطة الصفر والوصول بالأمور إلي الحرب الإقليمية فقد أعلن الجيش الإسرائيلي  تقليص قواته المتمركزة في المناطق الحدودية المتاخمة مع لبنان، والجنود المقاتلين المتمركزين في المنطقة مع الإبقاء على قوات الاحتياط المحلية التي من المفترض التعامل مع أي محاولة للتسلل علي الرغم من أن وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت أعلن أن الجيش سيتحرك قريبا جدا إلي الشمال عند الحدود مع لبنان وأبلغ الجنود أنه  سيتم تعزيز القوات في الشمال يضاف إلي ذلك المناورات العسكرية الإسرائيلية  الأخيرة تمهيدا للغزو البري لقري الجنوب. 

ولعل الموقف الأمريكي المنضبط من الرد علي الهجوم علي القاعدة الأمريكية علي الحدود السورية الأردنية أبلغ مثال فقد تكررت التصريحات علي لسان العديد من كبار المسئولين في واشنطن بأن الرد علي الهجوم سيكون بهجمات علي قواعد ومصالح تابعة للجماعات المسلحة المدعومة من إيران متتابعة وليست مرة واحدة وقد تكون لأسابيع  وحدد أماكنها في العراق وسوريا ولبنان على اعتبار أن هجماته مستمرة علي اليمن واستثني في تلك التصريحات وهذا هو اللافت في الأمر أي هجمات داخل إيران وقال بايدن (لا نريد حربا أوسع نطاقا في الشرق الأوسط) وهو ماقامت به بالفعل مساء أول أمس الجمعة في نفس توقيت مشاركة الرئيس بايدن في مراسم تشييع جنازة الجنود الأميركيين في محاولة لحفظ ماء الوجه وامتصاص غضب الشارع الأمريكي من سقوط ضحايا من الجنود.  

وبعد فإذا كان الهجوم المباشر علي إيران غير مطروح أصلا فإن الحرب علي لبنان خط أحمر أمريكي مازالت إسرائيل مقيدة بها حتي الآن وليس هناك رغبة دولية في مثل هذا التصعيد كما أن قدرة حزب الله سياسيا علي الأقل محدودة في تجاوز قواعد الاشتباك المتعارف عليها فهو قرار إقليمي يتعلق برأي إيران وهي ليست في وارد التورط المباشر في الصراع الدائر حاليا  واهتمام أمريكا الآن بالتوازي وقف الذهاب إلي حرب إقليمية وبايدن هو من يتبني ويضغط باتجاه منع  أي عملية تستهدف لبنان ودعم جهود المبعوث الأمريكي للبنان هوكستين  باقناع حزب الله والطبقة السياسية بها بالانسحاب من المناطق المتاخمة للحدود مع إسرائيل والتراجع إلي شمال نهر الليطاني خاصة  مع غموض ملف اليوم التالي في غزة علي اعتبار أن الحرب ستأخذ أشكالا أخري ولن تتوقف المعارك بشكل نهائي وفقا للرؤية الإسرائيلية التي تتحدث عن دور لها في الأمن في القطاع وحق الجيش في الدخول إليه طالما كان هناك حاجة إلي ذلك وهناك مخطط لإنشاء حزام أمني بطول ٤٠ كيلو مترا وبعمق ٢ كيلو متر كما يحظي الوضع في البحر الأحمر اهتماما استثنائيا من الإدارة باعتباره علي الأقل في تلك الفترة أخطر مما يحدث في جنوب لبنان .

هذه مؤشرات مهمة باتجاه رغبة كل الأطراف في عدم الذهاب إلي حرب لا يسعى إليها أحد وتخشي عواقبها الجميع